17 - 07 - 2024

إيقاع مختلف| عن برهان ومشرفة وسؤال الهوية

إيقاع مختلف| عن برهان ومشرفة وسؤال الهوية

كنت مستغرقاً فى متابعة أحداث مسلسل (أرابيسك) الذى يعاد عرضه لمرة جديدة على الشاشة الصغيرة، وكنت أتابع محاولات حماية الدكتور "برهان"، أستاذ الطبيعة النووية العائد من الغرب، والذى حاول أن يضم فى منزله أركان التاريخ المصرى، ومكونات الهوية المصرية بأبعادها: الفرعونى واليونانى والرومانى والقبطى والعربى الإسلامى.

 وبينما أنا منهمك فى هذه المتعة الفكرية التى يقدمها لنا أسامة أنور عكاشة حين يطرح سؤال الهوية، حملتنى أجنحة الذاكرة إلى أكثر من ثلاثين عاما مضت، وقتها كنت فى السنة النهائية من دراستى الجامعية، حين أتتنى ابنة أختى التى كانت فى الصف السادس الابتدائى فى ذلك الوقت، تسألنى عن شخصية مميزة من محافظة دمياط، يمكن أن تعد عنها بحثاً، ليتم إرساله إلى القاهرة، للاشتراك فى المسابقة المركزية حول أعلام محافظات مصر.

يومها أجبتها مباشرة:"على مصطفى مشرفة"، وأرشدتها إلى كتاب موسوعى أظن اسمه كان "دمياط منذ أقدم العصور" ليكون مرجعها الأساسى فى البحث، ولأنها كانت تملك ميلاً مبكراً للاعتماد على الذات، لم أشأ أن أتدخل فى كتابة البحث بأى صورة مباشرة أو غير مباشرة، كما أنى رأيت أن خدش نظرتها المثالية للأمانة العلمية يمثل خسارة أكبر من أى فوز.

وتوالت مراحل التسابق، وهى تجتازها واحدة إثر أخرى حتى حصلت على المرتبة الثانية على مستوى الجمهورية، ولم يسبقها سوى بحث جاء من محافظة الشرقية حول راهب الوطنية المصرية "أحمد عرابى".

وجدتنى أعيد تأمل الحدث الصغير الذى يحمل معانى كبيرة جليلة، فهذه الفتاة التى آمنت بجلال الأمانة العلمية وقيمة البحث العلمى صارت مهندسة بارزة فى ميدانها، والمسابقة ذهبت جوائزها إلى تخليد الوطنية والعلم فى آن واحد، وكانت كلمات الأديب الكبير عبد التوب يوسف فى حفل توزيع الجوائز مدهشة حول هؤلاء الأطفال الذين يتشربون الانتماء دون خطابة أو شعارات أو ضجيج.

لكن ظلت أبرز ملامح دهشتى تأتى من ذلك الفتى ذى الملامح النبيلة، الذى عشق الرياضيات ونبغ فيها، بحيث بدأت أبحاثه تأخذ مكانها في الدوريات العلمية العالمية وعمره لم يتجاوز خمسة عشر عامًا، ثم تصاعد عطاؤه العلمى، حيث كان الدكتور "على" أحد القلائل الذين عرفوا سر تفتت الذرة وأحد العلماء الذين حاربوا استخدامها في الحرب، ورغم أنه  كان أول من لفت انتباه العالم إلى أن الهيدروجين يمكن أن تصنع منه مثل هذه القنبلة، إلا أنه تمنى ألا تُصنع أبدا.

النقطة الجوهرية هنا أن العطاء العلمى المصرى كان يسير مع أفذاذ العلم فى العالم خطوة بخطوة، وهذا ما دعا إلى الربط الدائم بين "مشرفة" و"أينشتين".

أما ما ضاعف من بهجتى فهو أن د."مشرفة" كان حافظًا للشعر، ملمًّا بقواعد اللغة العربية، عضوًا بالمجمع المصري للثقافة العلمية باللغة العربية، حيث ترجم مباحث كثيرة إلى اللغة العربية.

كما كان يحرص على حضور المناقشات والمؤتمرات والمناظرات، وله مناظرة شهيرة مع الدكتور طه حسين حول "أيهما أنفع للمجتمع الآداب أم العلوم ؟"

كما كان الدكتور مشرفة عازفًا بارعًا على الكمان والبيانو مغرمًا بالموسيقى إلى حد أنه كون الجمعية المصرية لهواة الموسيقى كما كوّن لجنة لترجمة "الأوبرات الأجنبية" إلى اللغة العربية، وكتب كتابًا في الموسيقى المصرية.

تلك بعض ملامح  النابغة المصرى النبيل "على مصطفى مشرفة"، فهل تعنى تأملاتى حوله شيئا؟ 
--------------------
بقلم: السيد حسن


مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة